تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

l

العلامة النسابة الشاعر الأديب امحمد ولد احمد يوره

هو أمْحمد ولد أحمد يوره ولد محمذن ولد أحمد ولد محمد العاقل.
ولد في ابير التورس لأمه منانة منت والد.
عاش امحمد ولد احمد يوره، حوالي ثمانين سنة (1845 - 1923) أو 1925 حسب بعض المصادر.
كان عالما فقيها، نسابة وشاعرا موهوبا. لكن شهرة وطرافة شعره طغت على مواهبه الأخرى.
عرف بين الناس بأشعاره الفصيحة والشعبية، وبنمط آخر من الشعر يعرف عند الموريتانيين ب << أزريكة>>، وهي شعر باللغة الفصحى مع استخدام مفردات أو عبارات من بعض اللهجات الشعبية خاصة الحسانية و الولفية.

يقول :

ناشدتك الله رب العشر والطور @@ يا نفس عند فتاة الحي "شدوري" 
"حگنه" غانية يشتاق منظرها @@ غير "اص" حاجبة " و"الصيد" "غيورى". 

وله في التوسل إلى الله بإنزال المطر:

هذا العيال وإن طغى في فسقه @@ من ذا الذي يسقيه إن لم تسقه 
يا ربنا وإلهنا ياشاملا @@ كل العباد برفقه وبرزقه 
عجل على "ذي المزن" مزنا عاجلا @@ "بئر السبيل" طريقة من طرقه 
 وعلى "العجائز" تستهل كعابه @@ فينال حظا وافرا من ودقه  

وله أيضا : 

قف بالديار التى بالخط ادراسا @@ لا عار في وقفة فيها ولا باسا 
تهدى إلى ذي الهوى من نشر ساكنها @@ بعد التقادم أنفاسا فأنفاسا 
كانت سرورا وأمست وهي محزنة @@ والدهر من صفره ما سر إلا سا
(أي : ساء). 
لا تعذلونى وواسوني بأدمعكم @@ فأفضل الصحب عند الخطب من واسا 
وأظلم الناس من يهدى الملام إلى @@ من لم يقاس من الاشواق ما قاسا 
من لم يرى الخط ممطورا وساكنه @@ فإنه ما رأي الدنيا ولا الناسا 
وقصائده أكثر من أن تحصر ..

ويقول :

يالعگل أنتزلولك دارين @@ معدن لليعات الثنتين 
وحده شرگ افگطع أعليبين @@ ؤحده ساحل فيه واحل 
يلالي مثقل غيوانين @@ واحد شرگ أُواحد ساحل 

ويقول في عظم الليلة  التي ولد فيها خير البرية صلى الله عليه وسلم  والتى توافق 20 ابريل من كل سنة : 

إن الذي جاءه بالوحي جبريلُ @@ نالَ الربيعُ به فَخْرا وإِبْرِيلُ

ومنهُ قد نالت البَطْحاءُ معجزةً @@ ورُدَّ عنها على أعقابِهِ الفيلُ

ومنه طيبةُ قد طابت جَوانبها @@ غَداة حَلَّ بأهل الكفر تَنْكيلُ

إني تَطَفّلْتُ والرحمنُ ذو كَرمٍ @@ وللفقير على ذي الطول تَطْفيلُ

عسى بمدح رسول الله يُدْرِكني @@ نصرٌ وفتحٌ وتيسيرٌ وتسهيلُ

هذي فُلوسِي إذا ما الذنبُ أثقلني @@ فهي الدّنانيرُ لِي وهي المَثاقيلُ

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.

و من ازْرَيگةْ ولد احمد يوره: 

ضَنَنتِ بالوصلِ حتى بالحـــديثِ و لا @@ أرى ضَنِينًا سِـــواكِ الدَّهرَ ضَنَّ بـ “وَخْ”

لا تَمنعي الوَصلَ ممن يُستهامُ به @@ أتَمْنَعينَ وِصالَ المُستهامِ "لُتَخْ".


ويقول العلامة امحمد ولد احمد يوره :

ٱن ما نجلج  فالــــــــردْ @@  وخبارُ عندي مـــاتشتد
نعرف عن ش كالولي حد @@ فابلد حاظر مايبگَ بيه
أمَّ حد  اسمـــــاني  فبلد @@ ماني فيه الا غرظو فيه
انكد انجاوب ذاك الڪال @@ ابشي ڪدو وانزيد اعليه
وانكد انواسيه ابذي الحال @@ أعيارة وانڪد انسحفيه


تروى عن العلامة امحمد ولد احمد يوره قصص جميلة...
نختار من بينها هذه القصة التي أخذت مساحة كبيرة في الصحف السورية وقتها و عارض الكثير من الشعراء ابيات العلامة ولد احمد يوره التي وردت فيها :
بينما الدكتور و الاديب الشيخ ولد دومان في احد مقاهي حلب "الشهباء" رفقة بعض كبار الشعراء السوريين ، طلب منه بعضهم ان يلقي عليهم نماذج من الشعر الموريتاني و لم يستحضر الدكتور وقتها إلا  ابيات ولي الله العلامة امحمد ولد احمد يوره رحمه الله :
على الربعِ بالمدرومِ أيِّـهْ وحيِّهِ @@ وإن كان لا يدري جواب المؤيِّهِ
وقفتُ به جذلانَ نفس كأنما @@ وقفت على ليلاهُ فيهِ وميِّـه
وقلت لخلٍّ طالما قد صحبتُه @@ وأفردته من بين فتيان حيِّهِ
أعني بصوب الدمع من بعد صونه @@ ونشرِ سرير السرِّ من بعد طيِّهِ
فما أنتُ خلُّ المرءِ في حال رشدهِ @@ إذا أنتَ لستَ الخلَّ في حالِ غَيِهِ

فوقف الجميع منبهرا من شدة جمال الابيات و كان من بين الحضور الشاعر المخضرم محمد هلال فخرو .. وفي صبيحة اليوم التالي اتصل شاعر الشهباء "هلال فخرو" على الدكتور ليقول له انه لم يذق طعم النوم من ليلة البارحة من شدة جمال الابيات و انه عارضها بهذه الابيات الرائعة :
تحاملتُ عصراً نحو أطراف حيِّهِ @@ أسائلُ عن ليلاه فيه ومَيِّهِ
لقد كانتا ترباً لمن قد فقدتُـهُ @@ لعلَّ لدى إحداهما علمَ حيِّهِ
فقال لي الصبيانُ : ليلى تُوفيتْ @@ ومَيَّةُ في قاع الرشاد وغَّيِّهِ
فما تبتغي ..؟ قلتُ السلامةَ والهدى @@ وسِرتُ شجيَّ الحلقِ من بعد ريِّهِ
يكاد يرى الراؤون وقعَ جوابهم @@ فقد بانَ فوق الوجه آثارُ كَـيِّهِ
يحقُّ لمثلي أن يدلِّـهَهُ الهوى @@ ويعرِضَ عن أزياءَ ليستْ كزِيِّهِ
فيا شاعرَ المدرومِ شعرُكَ قاتلي @@ فأيِّهْ .. فما أسمعتَ غيرَ المؤيِّهِ

فعارض الدكتور بدوره ابيات العلامة ولد احمد يوره بهذه الابيات الجميلة :

رويتُ حمى المدروم مثلَ أُخيِّهِ @@ بدمعي فما أوفيته حقَّ رَيِّهِ
فخاطبني طيفٌ لحسناءَ قائلاً @@ أتبكي على المدروم يا ابنِ أُبَيِّـهِ
فقلتُ لها من أنتِ .؟ هل تعرفينه ؟ @@ ولم تدري عن ليلاه شيئاً ومّيِّهِ
فقالتْ : أنا من أبرؤ العشقَ والهوى @@ وأثني ذراعَ الشوق من بعدِ لّيِّهِ
فقلتُ: وجرحُ القلب بالأيِّ نازفاً @@ كجرحِ فتى المدروم في يوم غّيِّهِ
فقالت : إذاً فالكيُّ .. قلتُ : لربما @@ فليس يرجَّى البرءُ إلا بكيِّهِ
فقالتْ: لأنت الخلُّ في الرُّشدِ والغوى @@ فأيِّهِ على المدروم يا شيخ أيه


فصل الدعاء و الإبتهال إلى الله، ( و يشمل 18 قطعة مرتبةً ترتيبَ الحروف الهجائية)، من ديوان العلامة امحمد ولد احمد يوره :

يقول أخونا الدكتور جمال ولد الحسن رحمه الله عن العلامة امحمدْ بن أحمد يوره :
" ابتكر منهجًا في الشعر جديدًا يقوم على المزاوجة بين الفُصْحاء والعامية حسَّانيةً و صنهاجية و ذلك من أجل تقريب الشعر من حياة الناس و لُغتهم بالتِقاط التعابير الدارجة المشحونة بالدلالات الإجتماعية لتحويلها إلى ألَقٍ شعريٍّ وهَّاجٍ قوامُه اللمحة الخاطفة يتضمنها بيتان أو ثلاثة فإن أطال لم يكد يتجاوز العشرة ".

                                   1 - حرف الباء

إنَّا اسْتَعَذْنا مِنَ الْمُوذِي وَمُوجِبِهِ @@ بِمَا ٱسْتَعَاذَ بِهِ خَيْرُ الْوَرَى وَ بـِهِ
يَا رَبِّ نَجِّ مِنَ الآفَاتِ حَاضِرَنَا @@ وَ مَنْ تَغَيَّبَ مِنَّا فِي تَغَيُّبـِـــهِ
ثُمَّ الصَّلاَةُ عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ مُضَرٍ @@ مَا جَلْجَلَ الرَّعْدُ فِي أَرْجَاءِ صَيِّبِهِ
                            
2 - حرف التاء

يا من اليك دائـما لجاتي @@ إني لذو بضاعة مـزجاة
فركبني مع قضا حاجاتي  @@ مراكب النجاح والنجاة
3 -
 

يا رب لا سهل إلا ما تسهـله @@ والحزن تجعله سهلا إذا شيـتا
فسهلن لي أمورا أنت تعلمهـا  @@ وشتتن شمل هذا الهم تشتيـتا
واضرب علي بسور لا أزال به @@ مستعصما أبدا إن قيل لي هيتا
ثم الصلاة على المختار شاملـة  @@ آلا كراما وأصحابا مصاليـتا
                                   4 - حرف الجيم

دعوتك مفضالا كريما إذا ترجـى @@ ينال الذى يرجى لديك وما يرجــا
فكم نال منك الخير من ليس أهله @@ وكم ظفرت بالسبق في عودها العرجا
                                   5 - حرف الدال

أعوذ بالله من "سيط" ومن "لقد" @@ ومن لهازم لا تخفى ومن عـقد
أعوذ بالله من شر الحسود ومـن @@ شر النوافث إذ ينفثن في العقد

6 - حرف الراء

إن لله فى الدجى نفحــات @@ ليس فيها عن طالب الخير حجر
فهي للبائس المفلس تجـــر @@ وهي للخائف المطرد مجـــر
كم أتاها من ذي عياب خفاف @@ ثم ولى من يمنها وهي بجـــر
فإلى الله أول الليل فاسعــوا @@ وإذا يدن منكم الفجر فاجـرو
                               
7 - حرف الصاد

دعوتك وهابا حليما إذا تعصى @@ لمطلوبي الادنى ومطلوبي الأقـصى
فعجل قضاء الدين عني فإنـني @@ علي ديون لا تعد ولا تحـــصى
ولا تدع الحساد إلا بحطــة @@ إذا طلبوا نقصي تكون لهم نقـصا
وصل على قطب الكمال محمد @@ صلاة بها الإِعسار يمسي لنا رخصا
                                   8 - حرف العين

دواعي اللهو والسفه المطـاع @@ وقفن على ثنيات الــوداع
وقنعك الزمان قناع شيــب @@ يقنع عنك ربات القنـــاع
بمحيي الدين متصل البعــاع @@ وبالبدوي أحمد والرفـــاعي
وبالمتدينين ذوي سلــــوك @@ وأرباب التواجد والسمــاع
إلهي دافع الأعداء عنــــا @@ فإنا عاجزون عن الدفـــاع
صلاة الله  يتبعها ســــلام   @@ على ذي السبق في الزمن المطاع
                             
9 - حرف الفاء

أ مولاي بالتسخير جد لي وباللطف @@ وجذب قلوب الناس عطفا على عطف
وجد لتراب القلب بعد محولهــا @@ بوابل نور من سحائبك الوطـــف
سحائب يشفى كل داء بيمــنها @@ وتغدو بها الآمال دانية القطــــف
10

ألا ياخفي اللطف أَسْأَلُكَ اللطفا @@ وأمنك وسط اللحد والعفو والعطفا
وأخذ إلهي باليمين صحيفــتي @@ إذا أخذ الأبرار بالأيمن الصحــفا
                               11 - حرف القاف

مهما تخف من نيوب الدهر نائبة @@ فلذ بربك فهو الحافظ الواقي
رقية أم كلثوم وفاطمــــة  @@ وزينب خير ما يرقي به الراقي
                                12 - حرف اللام

حسبي الحسيب وباسمه أتوسـل @@ فهو المهيمن والعزيز الأول
حسبي الحسيب ولا يراع بنكبة @@ عبد يبسمل دائما ويحسبل
فهو الذي عم البرية طَوْلُـــهُ @@ والبِرُّ والإِحسان والمُتَفَضِّلُ
أرجو وآمل أن يكون مبــدلا @@ فعلاتي الكُبْرَى اللوا لا تفعل
ثم الصلاة على النـــبي وآله @@ غوث الأنام ومن به يتوسل
13
إنِّي استعذت من المخاوف كلها @@ ومن المكاره كلها بالبسمـله
ومن المصائب في الديانة والدنى @@ من كل خطب مفزع بالحسبله
ومن الشماتة من عدو حاسـد @@ أو من مريب حاقد بالحوقلـه
متحصنا عند الممات وبعــده @@ من كل هول هائل بالهيللــه
حتى أنال بقولها أقصى المــنى @@ وعَلَيَّ حينئذ لواء الحمدلــه
                               14 - حرف النون

أدعوك ربِّي بسر الكاف و النـون @@ وما دعاك به ذو النـون في النون 
افتح لنا منك باب الخير عن عجل @@ يا جاعل الأمر بين  الكاف والنون

15

تقنعت من حَوْكِ القناعة حلـة @@ تُذَالُ عُرُوضِي دونها و رَقِينِي
وان شك في المأمول غيري فإنني @@ يقيني من الشك المريب يقيني

16
تفضل بسجل يا معين ويا مغني @@ من النصر والتيسير والأمن واليمن
                                   17 - حرف الهاء

إنا على الرُّعْبِ والرَّغْبَاءِ دَيْدَنُنَا @@ يَا للهُ  يَا للهُ لاَ مَدْعُوَّ إِلاَّ هُـو
وحسبنا الله تكفينا وليس لنـا @@ عند الشدائد الا حسبنا الله

18

أستغفر الله من عجزي ومن كسلي @@ عن الفرائض والجاري بمجراها
أستغفر الله  مما قد أتيت بــــه  @@ من مأثم ثم لم أستغفر اللـــه

ويقول في المولد النبوي الشريف :

إذا هَالَ هـــــــــــولٌ واشمأزت لِهولهِ @@ نفوسٌ وظنَّـــــــــــتْ أنه ليس يدرك

جعلنا رســــــــول الله من دون شره @@ حجابا وسترا مانعــــــــا ليس يهتك
 
ومن يحتجــــــــب من كل شر وآفة @@ بأفضــــــل خلق الله لا شك "يَسْلِكُ"

ويقول العلامة والشاع الكبير :

حد ابغانِ نرعَ لمگاد @@ افبَغيُ وانزوز المعتاد
أحد اكرهنِ منُّ نبعاد @@ اعل حاله ماهِ غجرَ
وانواسِ لمْوَاسينِ زاد @@ ريحت حجرَ، ريحت

ويقول :

يوم أوادي لول معدود @@ فيام الطربه يالمعبود
گيلت امع نصرت لغيود @@ امگيل اعل راصو معلوم
واليوم أللا ذان مزهود @@ من نصرت لغيود ؤمظيوم
اعل راص واغرور إعود @@ كفارت ذاك اليوم -اليوم
واعي ذا الوصف  إبد اعليه @@ الدهر  ؤحامد للقيوم
إلي ما دايم  طربِ  فيه @@ لعل حزمِ  فيه  إدوم

يجدر بنا أن نذكر أن، امحمد ولد احمد يوره، عاصر حقبة فحولة القصيدة الشنقيطية في القرن الثالث عشر الهجري. 
حيث كان المجتمع الشنقيطي يزخر بالكثير من كبار العلماء والشعراء.
ورغم ذلك كان انتاجه يحظى بنسبة عالية من التجاوب والاستحسان من طرف الذائقة.
و كان ل امحمد في شعره الفصيح نمطان أحدهما يتمثل في ما عُرف بشعر ( إزريكَه).. الذي لم يكن هو أبا عذرته، رغم تفوقه فيه. و قد خصص هذا اللون لشعر الإخوانيات و الغزل و الوقوف على الطلل...

و من ذلك قوله:

من العار أن يبقى بعينيك مدمع @@ و قد لاح من بين المنارين مربعُ

و أخبرتُ أن الحقف أقوت ربوعه @@ و أن أضاة الثور بيداء بلقع

و لم تصغر الآذان إلا لسمعها @@ لما لم تكن من قبل ذلك تسمع..

أما الغرض الذي نجد امحمد يتقيد فيه بالنهج (الجاد)..  النمط الثاني من شعره فهو غرض الرثاء... و لئن كان لامحمد في هذا الغرض أسلوبه الخاص به و مميزاته النمطية التي تخرج، تارة، عن مألوف الغرض و نمطيته...

و إذا ألقينا نظرة أفقية على هذا الغرض عند لمرابط امحمد تبين لنا أن هنالك أربع بنيات مختلفة للقصيدة الرثائية في شعره.. فمن رثاء صرف إلى رثاء ممزوج بالمقدمة الغزلية  إلى رثاء ممحض للغزل إلى غزل ممحض للرثاء...

1- الرثاء الصرف:

رثى امحمد مجموعة من أعلام من وسطه الاجتماعي من الإيكَيدي.. و من أشهر من رثاهم محمذ ولد حبيب ولد السيد.. الذي قال فيه رثائيته المشهورة و بدأها بقوله:

نغر بهدأة الزمن القصير @@ و قد حان المسير إلى المصير

و نعرض عن عوارض كل يوم @@ تلوح لذي البصير و البصير

و ما يغني عن العذراء شيئا @@ مضاجعة الحصور على الحصير

ستصرمك الغدور فصارمنها @@ و قل بيديَ لا بيدي قصير...

فجاءت هذه المقدمة الوعظية التي تحدثت عن حتمية الفناء و قِصر أمد الحياة.. مع ما يظهر لنا كل يوم من عوارض تلوح للمتبصر و المبصر... و لكننا نتغاضى عن ذلك فلا يجدي فينا شيئا كما لا تجدي مضاجعة الحصور عن العذراء... و يوجه بعد ذلك هذه النصيحة للإنسان بأن يصارع الغدور التي هي ( الموت)... و بين أن ذلك الاستعداد ينبغي أن يكون بيد الإنسان لا ( بيدي قصير).. و هنا استلهام لأثر من التراث العربي القديم... يعضد قوة الغدر..في قصة مشهورة من الصراع بين مملكتي الحيرة و تدمر... قيل إنها كانت في القرن الثالث الميلادي..

و ينتقل الشاعر إلى أسلوب النداء ليتخلص إلى رثاء الفقيد و الدعاء له... بقوله:

ألا يا ديمة الرحمووت أمي@@ فقيدا كان مُفتقد النظير

و جري من ذيولك ما يوازي @@ على ذي السبق و الورع الخطير

ألا نعم الملاذُ إذا ألمت @@ نوائب ذات شر مستطير...

و من ذلك أيضا مرثيته للعلامة البرا بن بكَي الفاضلي التي يقول فيها:

أصاب الزمان فما قصرا @@ و لم يًبق كسرى و لا قيصرا

و لم يبق ظبيا و لا ظبية @@ و لم يبق ليثا و لا جؤذرا

محمد صبرا فأنت الذي @@ جدير بمثلك أن يصبرا

أبوك البرا فاق أهل البرا @@ و أنت الخليفة بعد البرا..

فكان الشاعر هنا يسير على نمطية الغرض من حيث الحديث عن حتمية الفناء و مصير الإنسان الأزلي في صراعه مع الزمن و انهزامه أمامه مهما كانت عظمة ذلك الإنسان و قوته..  ليصل بعد ذلك إلى المرثي و ذكر خصاله و تفوقه على أهل زمانه و تعزية خلفه...

2 - الرثاء الممزوج بالنسيب :

كانت للمرابط امحمد طريقة أخرى في الرثاء نجدها في رثائه  لمحمذ ولد بابكر ولد احجاب الفاضلي.. في قصيدته التي يقول في مطلعها : معاهد حول البير بانت سعادها @@ و لم يبق إلا نأيها و رمادها..

و في رثائيته للشيخ سعد أبيه بن الشيخ محمد فاضل..... التي يقول فيها :

نواصح.. لكن ليس يًسمع قيلها @@ بثينة من تهوى و أنت جميلها

يمينا.. و من شر الألايا أليةً @@ يكون على المولي، مبينا، دليلها

لقد هيج البرق اليماني موهنا @@ بقايا هوى لا يُستقل قليلها

و أظلمت الأيام مذ بان بدرها @@ و دفاع جًلاها الرضى و جليلها...

و طفق بعد هذه المقدمة و التخلص يعدد سجايا المرثي و خصاله.. من حيث تأمينًه للنُزال و حماه الذي لا يضام و دعواته المُجابة ليختم بعظم فقده على كل الأقطار و عظمة مصاب الدنيا به... فكانت القطعة مزيجا من غرضين قد تشكل العلاقة بينهما النشاز... و لكن يد الشاعر الصناع ألحمت السدى بين هذا و ذاك حتى رأب ثأي ذلك النشاز...

3-  الرثاء في قالب الغزل :

نتوقف في هذا الباب عند نموذجين من رثاء امحمد لأقرب الناس إليه... و ذلك في :

أ - رثائه لأمه امنيانه بنت محمد فال ولد والد ولد خالنا.. يقول فيها :

أهاذي جمال الحي مُسيا تُنوخ @@ و هذا غراب البين بالبين يصرخ

أأحبابنا إنا على الهجر و النوى @@ نُلام على أشواقكم و نوبخ

و قد مارس الأشواق من كان قبلنا @@ و لكن هذا الشوق أرسى و أرسخ

حلفتُ.. و من يحلف على الزور لم @@ يزلْ بأشنع عار في القيام يوبخ

لئن نسخ الشيب الصبابة و الصبا @@ لفي القلب عهد محكم ليس يُنسخ

ذكرنا لكم بعض المرام و بعضه @@ مخافة تطويل عليه نلخخ..

بالفعل لم يُطل امحمد في مرام القطعة ذات الستة أبيات التي أراد بها رثاء والدته الحنون .... و لم يورد أي ذكر لها.. كما أنه لم يورد أي معنى له علاقة بغرض الرثاء، مما يجعلنا نكاد نجزم أنه أراد، عن قصد، إخفاء شعور الحزن لديه.. و الظهور بمظهر الصابر المحتسب المتجلد...

ب - رثائه لشقيقه محنض الذي لم يختلف من حيث النهج عن سابقه... يقول :

أبكِ الربوع بدمع منك منطلق @@ عيب الديار على من بالديار بقي

منازلٌ بدلت عفرَ الظباء بمن @@ قد بدلوا لي لذيذ النوم بالأرق

لما وقفتُ بربع الدار ملتمسا @@ سلبا لدائي بباقي رسمها الخلق

لم تسلب الدار مني الداء و استلبت @@ ما كان أبقاه برح الشوق من رمقي

يا نفس صبرا على ما كان من وله @@ فسوف يأفل نجم الحزن و القلق

و روضة اللهو أن يتاح لها @@ بعد الجفاف اخضرار العود و الورق..

ستة أبيات أخرى لم يرد فيها ذكر المرثي و لم تكد تختفي فيها حقول الغزل و النسيب... إلا ما كان من العبء المتبقي على المتخلف في الدار.. و تحمل المسؤولية بعد أن كانت متحملة عنه... و لا ننسى هنا وهناك طغيان الثقافة العالمة في الحديث عن المنسوخ من الآي و المحكم و عقوبة الحنث في القسم إلى  القاموس الرياضي في السلب و الاستلاب... فهذا رثاء امحمد لأقرب الناس إليه الذي يمكن أن يصدق عليه ما قاله، يوما، أحد الحقوقيبن في مرافعات أحد أشهر محامي البلد... إذ علق على مرافعة له أعجبته قائلا: " إن مرافعاته يوجد فيها كل شيء إلا القانون".. فكذلك رثاء امحمد لذويه يوجد فيه كل شيء إلا الرثاء!

4- الغزل في أسلوب الرثاء :

هنالك نصوص للمرابط امحمد صنفها الرواة على أنها من الغزل.. وتغنى بها المطربون... و مع ذلك طغى عليها قاموس الرثاء بجميع حقوله الدلالية من حيث التفجع و البكاء و الحنين و انصرام حبل الوصال إلى الأبد... فمن ذلك قوله :

أتمسك دمع العين و هو ذروف @@ و تأمن مكر البين و هو مخوف؟

تكلم منا البعض و البعض ساكت @@ غداة افترقنا.. و الوداع صنوف

و آلت بنا الأحوال آخر وقفة @@ إلى كلمات مالهن حروف

حلفتُ يمينا لستُ فيها بحانثٍ @@ لأني بعقبى الخانثين عروف

لئن وقف الدمع الذي كان جاريا @@ لثم أمور ما لهن وقوف...

لا شك أن قاموس البكاء و الحنين واضح في هذا النص.. مما يجعله أكثر تمحضا للرثاء من غيره من نصوص امحمد.. خاصة النصين السابقين... فالشاعر انطلق من وضعية الدمع الذروف، بصيغة المبالغة، و تحدث عن البين و الفراق... و تنمو أفكار النص في زمن القصيدة لينقشع غبار جدلية الرحيل و البقاء عن ردود فعل منها المنطوق و منها المسكوت ( عليه) أو عنه... فيتحول الكلام المنطوق إلى كلام مرموز... أسماء أصوات أو أسماء أفعال..  و ذلك منتهى التأثر... 
فمن المعلوم أن الآهات و الحنين لا تترجم بالكلام و إنما رسم لأفعال تصدر عن النفس... و في الأخير ينقلب الأسلوب القصصي إلى أسلوب القسم... الذي يعد من أقوى أساليب الخبر في علم المعاني... مما يعرف بالأسلوب الإنكاري... ليقسم صاحبه أن هنالك امورا لا انقطاع لها.. فما هذه الأمور؟ لا بنبغي لنا أن نقصر ذلك على المعنى الغرامي او على بعض المفاهيم العاطفية البسيطة.. بل قد يسرح بنا الفهم إلى معنى الحديث الذي رواه أبو هريرة، رضي الله عنه، عن النبي، صلى الله عليه و سلم.. و المتعلق بانقطاع عمل المرء بعد موته إلا من ثلاث منهن ولد صالح يدعو له بخير... و لذلك قد نقول إن تلك الأمور التي لا انقطاع لها و لا وقوف هي دعاؤه لأمه الفقيدة... و أن ذلك الدمع الذروف قد يكون بكاءه عليها... و أن تلك الكلمات التي لا حروف لها هي آهاته و توجعه لفقدها... و لا شك أن امحمد، و هو من يدرك مقام الولد الصالح، لن يغفل ذلك في شعره... و مهما يكن فإن النص قد لا يكون متمحضا للغزل... و مثله في ذلك قوله :

تشوقتُ الأحبة يوم بانوا @@ كما اشتاق الحمام إلى الهديل

إذا سلكوا أجارع ذي سبيل @@ فليس إلى التواصل من سبيل

و إن أك بعد بينهم بصبر @@ هممتُ .. فقد هممت بمستحيل

كأن القلب من ولهِ و شوق @@ غداة رحيلهم لبن الرحيل..

مقطع آخر فيه شاعرية فذة و انسيابية عذبة... تشوقٌ لأحباب بانوا.. بماذا؟ و بمن سلكوا أجارع بئر السبيل؟ مهما يكن من أمر فإن سلوك أغوار بئر السبيل أو نجوده لن يشكل كبير بيْن و لا بينونة عند امحمد... و لا يقتضي ألا يكون هنالك " سبيل للتواصل" إلا إذا كان الراحل راحلا إلى مثواه الأخير... و ختم بالعبارة الأخيرة التي تدل على التأثر الشديد و إظهار ذلك التأثر في كونه صار (أفسد) من اللبن الذي كان أهله مترحلين.. ففسد روبانه لكثرة الاضطراب و الحركة...

و نتوقف أخيرا عند بيتين يتحدث فيهما عن عجزه عن إمساك الدمع و أن من أمر بذلك لم "يأمر بمعروف"... من يأمر الدمع في دار لمعروف @@ أن يمسك الدمع لم يأمر بمعروف

عار على العين إمساك لأدمعها @@ بالملزمين و إمساك بمعروف...

فهاذان البيتان قد يدخلان في ذات السياق مع القطعتين السابقتين... و من هنا يمكننا أن نقرر، دون كبير عناء، أن شعر الرجل فيه من المقول و المسكوت عنه نماذج يمكنها أن تكون موضوع دراسات جادة في فهم دلالات الشعر الشنقيطي و تبرهن على ثراء هذه النصوص و عمق دلالاتها......

رحم الله السلف و بارك في الخلف.

23:55 - 2023/12/26

a

تابعونا

Fذث